تواجه الاستثمارات السعودية في العراق تحديات كبيرة؛ مع إعلان بعض الجهات السياسية والفصائل المسلحة بين فينة وأخرى رفضها تلك المشاريع، والتشكيك بنواياها، وسط تهديدات مستمرة للحكومة.
وفي حلقة جديدة من مسلسل التشكيك أعربت حركة “عصائب أهل الحق”، بزعامة قيس الخزعلي، عن اعتراضها الشديد إزاء إبرام وزارة الداخلية العراقية عقداً مع شركة سعودية لتنظيم بيانات المرور والمركبات في البلاد.
ووصف حسن سالم، النائب البارز عن كتلة “صادقون” التي تمثل “العصائب” في البرلمان العراقي، هذا التعاقد بأنه “قضية خطيرة جداً”، وأن العراق ليس بحاجة للتعاقد مع شركة سعودية.
وفي مؤتمر صحفي عقده في بغداد، يوم الأحد 5 سبتمبر، اعتبر سالم أن التعاقد مع شركة سعودية بمنزلة “خيانة للشعب العراقي، ولا مبالاة من قبل الحكومة العراقية”، على حد قوله.
وجاء التصريح بعد أيام من إعلان توقيع المملكة اتفاقية للنقل البحري مع العراق تهدف لزيادة حركة مرور السفن التجارية البينية، ودعم التبادل التجاري، وتسهيل إجراءات الوصول إلى الموانئ، وذلك خلال اجتماع لجنة النقل والمنافذ الحدودية والموانئ بالمجلس التنسيقي السعودي العراقي، الخميس 2 سبتمبر 2021، بالرياض.
الجانبان اتفقا أيضاً على زيادة حجم التبادل التجاري عبر منفذ “جديدة عرعر”؛ من خلال تسهيل الإجراءات، وتسريع حركة التبادل التجاري في المنفذ.
مشاريع مهددة
وفي هذا السياق يقول الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي كاظم ياور، إن بعض الأحزاب السياسية والكتل التي لديها أذرع عسكرية تحاول علناً عرقلة المشاريع السعودية في العراق؛ مثل ربط الخط الكهربائي المهم والمؤثر جداً لخلق حالة من الضمان الاجتماعي ودفع العجلة الاقتصادية العراقية نحو الأمام، حيث تعاني كل أجزاء العراق من نقص في الطاقة الكهربائية بمستويات كبيرة.
وفي حدثيه ” شدد ياور على أن قيام جهة معينة بمحاولة عرقلة استثمارات كهذه، والتحدث باسم الدولة العراقية بأكملها، وهي جزء صغير من العملية السياسية أو الحالة الأمنية، “فهذا شيء لا يمكن السكوت عليه ولا يمكن قبوله، وعلى الأوساط الداخلية العراقية الإسراع في تحسين الوضع السياسي والأمني، وحصر السلاح بيد الدولة”.
ويشير الباحث العراقي إلى أن الاستثمارات السعودية في العراق تعاقدت مع الحكومة العراقية والجهات المعنية لتنفيذ مشاريع زراعية كبيرة في صحراء العراق، ولكنها أعلنت اعتذارها عن عدم مواصلة المشاريع لأسباب فنية، و”لكن بالحقيقة هناك أسباب داخلية عراقية وتعقيدات أمنية دفعت الشركات السعودية للانسحاب”.
ويعرب ياور عن أمله في ألا تتوقف شركات الكهرباء السعودية عن مشاريع تزويد العراق بالكهرباء أو ربطه بمنظومة الطاقة الخليجية؛ “فهذا المشروع حيوي جداً ولا يمكن الاستغناء عنه”.
وحذر من أن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني للشعب العراقي لن يتحسن إذا استمرت تصرفات جماعات معينة لديها حساسية أو موقف تجاه هذه الدولة أو تلك، وهذا يجعل العراق ليس مكان ثقة للاستثمارات الخارجية، سواء كانت من قبل دول الجوار أو من الدول العربية أو غيرها من الدول الكبيرة.
المشاريع الزراعية
بدوره يقول الخبير الاقتصادي أحمد صدام، إن السبب الرسمي في عدم تنفيذ المشاريع الزراعية السعودية في العراق هو عدم ضمان وفرة المياه على مدى 50 سنة؛ بحسب تصريحات وزير الزراعة العراقي، أما شعبياً فيعتقد أن هذه
المشاريع لم تنفذ بسبب الحملة التي شنتها بعض الجماعات المتنفذة التي رفضت المشروع السعودي.
أن بعض الجهات تصدت للاستثمارات السعودية بشن حملة رفض في وسائل التواصل وبعض القنوات المرئية؛
“حيث كانت تعتقد أن هذه الاستثمارات ستستنزف الموارد المائية الجوفية، فيما لجأت جهات أخرى إلى ترويج فكرة
أن هذه الاستثمارات ستؤدي إلى استيلاء السعودية على بعض الأراضي العراقية”.
ويعرب صدام عن اعتقاده بأن هذه المشاريع لو أنجزت فإنها تحقق منافع اقتصادية تتمثل في تفعيل قطاع الصناعات
الغذائية، وهذا يعني توفير فرص عمل وخلق التشابكات ما بين القطاعين الزراعي والصناعي في العراق، وبما يسهم
في تقليل مستوى الاستيرادات الغذائية وتقليل هدر موارد النقد الأجنبي التي يدفع الكثير منها للاستيرادات الغذائية.
صندوق الاستثمار
وحول إعلان العراق والسعودية -في بيان مشترك- اتفاقهما على إقامة صندوق برأسمال 3 مليارات دولار، أبريل
الماضي، مساهمة من المملكة في تشجيع الاستثمار بالعراق، يقول الخبير الاقتصادي: “من البديهي أن ضخ
استثمارات سعودية في الاقتصاد العراقي سيؤثر إيجاباً على تفعيل دور القطاع الخاص، وبما يسهم في إنشاء مشاريع
من الممكن أن توفر فرص عمل وتقلل من مستوى الضغط الذي تواجهه الحكومة المركزية في مجال التوظيف،
والأهم من كل ذلك أن نجاح هذا الصندوق مستقبلاً سيسهم في جذب استثمارات سعودية أكثر إلى الداخل المحلي، وبما
يسهم في دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين”.
ويوضح صدام أن أهم المشاريع التي يمولها هذا الصندوق هي استثمارات الطاقة، وكذلك المشاريع النفطية، إذ يعاني
العراق من نقص كبير في مجال صناعات التكرير وصناعة البتروكيماويات، “لذلك فإن ضخ الاستثمارات السعودية
في هذه المجالات سيعزز من القدرة الإنتاجية للمشتقات النفطية وتصنيعها، وهذا يعني زيادة مستوى القيمة المضافة
للنفط الخام، وبما يشجع على زيادة القدرة الاستخراجية له، في سبيل تجهيز المصافي بعد زيادة قدرتها الإنتاجية”.
وفيما يخص فوائد هذه المشاريع للبلدين، يرجح الخبير الاقتصادي أنه فيما يخص الجانب السعودي تتمثل في استثمار
الفوائض المالية وزيادة العوائد المتأتية منها لاحقاً، وللعراق أيضاً تتجسد المنفعة في تفعيل الاستثمار وسد النقص
الحاصل في مجال المشتقات النفطية، وتفعيل الصناعات المرتبطة بالقطاع النفطي، وزيادة مستوى الخبرات المحلية.
كذبة الاستعمار
وفي تصريحات سابقة أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في نوفمبر 2020، أن هنالك من يروج لكذبة
“الاستعمار السعودي” في العراق، واصفاً هذا الفعل بـ”المعيب”.
وتساءل الكاظمي عما إذا كان “الاستثمار تحول إلى استعمار”، مشيراً إلى أن الاستثمارات السعودية تؤمن مئات آلاف
فرص العمل للعراقيين، وشدد على ضرورة تأمين بيئة تحمي المستثمر، وليس ابتزازه.
ولفت إلى أن السعودية لها استثمارات في الزراعة ضمن دول كثيرة، كالأرجنتين وكندا، وبنسبة كبيرة جداً في بعض القطعات.
Comments
Post a Comment